أهمها الملف الاجتماعي والحريات والتعليم والسكن والصحة
إدريس الكنبوري
أثناء انعقاد أول مجلس للحكومة الجديدة يوم الخميس الماضي، اعتبر رئيس
الحكومة عبد الإله بنكيران أن حكومته جاءت ثمرة حراك الشارع المغربي
والربيع العربي. وبوضعه لحكومته
داخل هذا السياق يكون رئيس الحكومة قد حدد سلفا طبيعة ونوعية التحديات
الكبرى الملقاة عليها، لأن حراك الشارع المغربي، الذي انطلق مع حركة
العشرين من فبراير قبل حوالي سنة وانتهى بوضع دستور جديد وإجراء انتخابات
وضعت حزب العدالة والتنمية في الصدارة، كان يحمل انتظارات متعددة. ولا شك
أن الكثيرين يرون في هذه الحكومة إرهاصا بتجاوب الدولة مع هذا الحراك،
كونها أجرت انتخابات قررت فيها إعطاء الكلمة للمواطنين بشكل واسع هذه المرة
وخوض «مغامرة» انتخابية ـ وإن كانت محسوبة ـ أعطت فوزا ساحقا لمكون سياسي
في عملية غير مسبوقة، بالرغم من نسبة المقاطعة التي تم تسجيلها وعدد بطائق
التصويت الملغاة ورقم المشاركة الذي لم يتجاوز الـ45 في المائة من عدد
المسجلين في اللوائح الانتخابية.
بنكيران بدا حازما في أول مجلس للحكومة تعقده هذه الأخيرة بعد تنصيبها،
وواثقا من وجود إرادة لدى حكومته ومن إمكانية بلورة رؤية مختلفة للأداء
الحكومي، حيث أكد على أن حكومته ستعمل على اتخاذ منهجية الحوار مع مختلف
الأطراف، وإحداث التوازن والتصالح بين المواطن ومؤسسات الدولة حتى تكون رهن
إشارته وتمكين جميع المواطنين من حقوقهم، ملحا في هذه النقطة على ضرورة
تغيير طريقة تعامل الإدارة العمومية مع المواطنين وقضاء حوائجهم. ويعول
الكثيرون على بنكيران في إطلاق دينامية جديدة لهذا الشق من الإصلاح، إذ
لأول مرة يتم تعيين رئيس للحكومة لديه احتكاك بالمواطنين وقضاياهم اليومية،
ولا ينحدر من العائلات الكبرى ذات النفوذ التي تعيش في دوائر خاصة وضيقة،
وهذا يعني أنه أكثر إلماما بالمشكلات التي يعانيها المواطنون.
بيد أن الجانب الشخصي ليس وحده كافيا لاستشراف الآفاق المستقبلية للحكومة
وقدرتها على تنزيل برنامجها على الأرض، ما لم تتوفر الإرادة السياسية
والانسجام الحكومي داخل التحالف وتقليص دوائر النفوذ أو جيوب المقاومة التي
من شأنها أن تخفض من سقف تطلعات هذه الحكومة التي يبدو أن مكوناتها ـ خاصة
حزب بنكيران ـ تستشعر صعوبة المهمة بسبب المرحلة الدقيقة التي تتولى فيها
إدارة الشأن العام. غير أنه إذا كان بنكيران قد أعلن خلال كلمته لدى افتتاح
المجلس الحكومي يوم الخميس الماضي عن أهمية التأويل الديمقراطي للدستور،
بما يشير إلى نيته في ممارسة صلاحياته المخولة له في الدستور، فإن البعض
يرى في ما حصل من مراوحة وتردد خلال مفاوضات تشكيل الحكومة، وغياب بصمة
بنكيران في هذه التشكيلة، مؤشر ضعف يحتمل أن يكبح مسيرة الحكومة الجديدة،
خصوصا وأن وزارة المالية والاقتصاد آلت إلى حزب آخر غير حزب رئيس الحكومة،
الذي كان يفترض أن يبقي هذه الحقيبة في يد حزبه لضمان نوع من الانسجام بين
الوعود التي قطعها في برنامجه الانتخابي، ووضع اليد على الوزارة التي تمكنه
من تنفيذ ما وعد به.
ولعل أبرز التحديات التي ستجابه الحكومة الحالية هي المتعلقة بملف التشغيل
وملف الحريات. فقد بدأت حكومة بنكيران أول أيامها باحتقان اجتماعي واسع
تمثل في الاحتجاجات التي خاضها المعطلون في شوارع الرباط، واقتحامهم لمقر
الأمانة العامة للحكومة، والاقتحام الذي نفذه المعطلون المكفوفون لمقر
وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة، والمواجهات التي حصلت بين المعطلين
ورجال الأمن بمدينة تازة، إذ أظهرت هذه الاحتجاجات مدى الرهانات الاجتماعية
المطروحة على الحكومة الجديدة، وهي احتجاجات مرشحة لتأخذ مزيدا من التصعيد
في الفترات القادمة، خاصة بعد ظهور البرنامج الحكومي الذي سيشكل «دفتر
تحملات» أمام الناخبين الذين منحوا ثقتهم للأحزاب المشكلة للتحالف الحكومي.
وليس الشغل النقطة الشائكة الوحيدة في الملف الاجتماعي، إذ سيكون على
الحكومة الجديدة القيام بإجراءات استعجالية في قطاعات هامة تمس الحياة
اليومية للمواطنين، فعلاوة على الإدارة العمومية التي ركز عليها رئيس
الحكومة في كلمته أمام مجلس الحكومة هناك قطاع الصحة الذي يعيش اختلالات
جوهرية وتدهورا على مستوى البنية التحتية في مختلف الأقاليم. ومن شأن هذه
الإجراءات الاستعجالية أن تكون رسائل قصيرة ولكن عاجلة إلى المواطن تعكس من
خلالها نيتها الجادة في الإصلاح، إذ سيعمل المواطن بالتأكيد على قياس جدية
الحكومة بما سيترتب على حياته اليومية من تغيير في المرافق العمومية
الأكثر ارتباطا به، ويدخل ضمن انتظارات المواطن من إصلاح هذين المرفقين
الحد من ظاهرة الرشوة. لكن الجانب المتعلق بالحريات يبقى المحك الرئيسي
لاختبار نوايا الحكومة الحالية. وسيجد مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات،
العديد من الملفات فوق مكتبه تضاف إليها ملفات أخرى ستطرح بحدة، بينها
ملفات واضح أنها ستكون مطروحة في إطار اختبار حزب العدالة والتنمية ذي
اللون الإسلامي. ويمثل ملف المعتقلين السلفيين أهم الملفات التي سيكون على
الحكومة الحالية التعامل معها، للإفراج عن المعتقلين المحكومين في إطار
قانون مكافحة الإرهاب، إلى جانب رفع المنع عن حزب البديل الحضاري والترخيص
لحزب الحركة من أجل الأمة، وهو الملف الموروث من حكومة عباس الفاسي.