قال الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران عقب تعيينه
من قبل ملك المغرب محمد السادس رئيسا للحكومة المغربية، إنه سيبدأ مشاورات
تشكيل الحكومة مع أحزاب الكتلة الديمقراطية، وهي حزب الاستقلال وحزب
الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية.
وأكد الرئيس الجديد للحكومة المغربية أن المشاورات ستشمل أيضا إمكانية
التحالف مع بعض الأحزاب المكونة لما يسمى بالتحالف من أجل الديمقراطية (جي
باستثناء حزب الأصالة والمعاصرة، الحزب الذي خاض معه الإسلاميون معارك
طاحنة ومع مؤسسه فؤاد عالي الهمة، المعروف بأنه مقرب من الملك.
وبهذا التعيين سينطلق مسلسل المشاورات لتشكيل حكومة جديدة على ضوء
نتائج انتخابات 25 نوفمبر التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية بـ107 من
مقاعد الغرفة الأولى للبرلمان المغربي البالغ عدد أعضائها 395.
وبلغة الأرقام، فإن على الإسلاميين بالمغرب البحث عن 91 مقعدا آخر من
أجل تشكيل حكومة بحد أدنى من الأغلبية، وهي 198 مقعدا، وهي الإمكانية التي
لا يرتاح إليها حزب العدالة والتنمية، الذي يطمح إلى تكوين حكومة ذات
أغلبية مريحة قادرة على مواجهات التحديات.
ويجد الإسلاميون المغاربة أنفسهم أمام تحالفين قويين، هما تحالف أحزاب
الكتلة الديمقراطية المكون من حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات
الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية (117 مقعدا في المجموع)، والتحالف من أجل
الديمقراطية والمكون من أحزاب ثمانية فاز فيها ستة أحزب بمجموع مقاعد بلغت
(159).
التحالف النموذجي
هذه المؤشرات دفعت المحللين السياسيين بالمغرب إلى القول بأن السيناريو
الأرجح هو تحالف حزب العدالة والتنمية مع أحزاب الكتلة الديمقراطية، مما
يعطي أغلبية داخل مجلس النواب تبلغ 224 مقعدا.
وحسب مصادر مطلعة من داخل الإسلاميين، فإن هؤلاء يتحدثون عن إضافة حزب
آخر إلى تحالفهم هو حزب الحركة الشعبية (أحد مكونات التحالف من أجل
الديمقراطية) من أجل الحصول على أغلبية مريحة داخل البرلمان (256 مقعدا).
وتفسر هذه المصادر أن حزب العدالة والتنمية يحرص على ضمان هامش إضافي
من المناورة ويرغب في استمرارية الحكومة في حالة تخلف أحد مكونات الكتلة
الديمقراطية عن التحالف الحكومي المرتقب.
وكان الائتلاف الحكومي السابق قادته أحزاب الكتلة بالإضافة إلى بعض
أحزاب اليمين، وعلى رأسها حزب التجمع الوطني للأحرار، وقد وجهت إليه
انتقادات واسعة من حزب العدالة والتنمية نفسه عندما كان في المعارضة.
كما أن بعض مكونات الكتلة الديمقراطية مثل حزب الاتحاد الاشتراكي
للقوات الشعبية والتقدم الاشتراكية ذات التوجه اليساري تختلف مع
الإسلاميين، وقد نشبت بينهم معارك في السابق في قضايا حول المرأة والفن
والسينما وبعض التعاملات المالية.
وقال رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني في
تصريح إعلامي إنه من الضروري نسج تحالف قوي ومنسجم قادر على تدبير الملفات
والقضايا الوطنية مثل "مقاومة الفساد وتطوير الحكامة والحد من ظاهرة
البطالة وإصلاح الإدارة والقضاء".
من جانبه أكد المؤرخ والباحث المعطي المنجب في حديثه للجزيرة نت أن
التحالف النموذجي هو العدالة والتنمية مع أحزاب الكتلة، لكنه أوضح أن هناك
"سيناريو أسوأ" وهو تدخل ما أسماه بالمخزن (إشارة إلى القصر الملكي ومحيطه)
في قلب المعادلة.
المعارضة الجديدة
وذكر بلاغ صدر أخيرا عن حزب التجمع الوطني للأحرار (أحد مكونات جي
أن الحزب "اختار بكل وعي ومسؤولية الاصطفاف في المعارضة".
وفي سؤال عن طبيعة المعارضة التي ستتبلور في المستقبل، قال المعطي
المنجب إنها ستكون داخل البرلمان من الأحزاب الإدارية، وهي "أحزاب ليست لها
دراية بمسألة المعارضة وغير مدربة عليها".
واستثنى المنجب حزب الأصالة والمعاصرة الذي له "أطر وحنكة سياسية وله
اطلاع بدواليب السلطة بالمغرب"، ويمكن أن يشكل معارضة قوية، بالإضافة إلى
أن بعض قيادييه ومناضليه كانوا في اليسار ومارسوا المعارضة لعقود طويلة.
من جانب آخر يتحدث المتابعون للشأن المغربي عن معضلة أخرى تواجه
الحكومة القادمة، وهي الاحتجاجات الشعبية التي تقودها حركة 20 فبراير
بمشاركة عدة أطراف بينها جماعة العدل والإحسان المحظورة.
وتقتسم هذه الجماعة مع حزب العدالة والتنمية المرجعية الإسلامية وتختلف
معه في طريقة العمل السياسي، فالحزب يسعى إلى الإصلاح من داخل المؤسسات
والجماعة تطالب بتغيير جذري.
وربما سينجح رفاق عبد الإله بنكيران في جر جماعة العدل والإحسان إلى
تأسيس حزب سياسي والدخول في لعبة سياسية ديمقراطية تمكن المغرب من تجاوز
شبح الثورات العربية الذي يلاحقه.
ويؤكد المؤرخ والباحث المعطي المنجب أن الأهم من كل هذا هو التأسيس
لمرحلة جديدة لاقتسام السلطة، حيث "البرلمان يشرع والحكومة تحكم والملك
يترأس"، دون إغفال معالجة قضايا أربع في غاية الأهمية، وهي تدبير مشكلات
التعليم والصحة والسكن والتشغيل.