ذا كنت تعرف القراءة والكتابة، وتحسن النطق باللغة
العربية، وجالت في خاطرك فكرة أن تتحول إلى محلل سياسي، يبيع آراءه
للفضائيات ويتقاضى أجرا مقابل توزيع شهادات حسن وسوء السلوك على الهواء
مباشرة، فعليك بإنشاء مركز للدراسات أو منتدى للأبحاث.
الوصفة بسيطة والطريقة سهلة:
مقرك الرئيسي هو بريدك الإلكتروني أو موقعك على الإنترنت، ولابأس أيضا أن
تستخدم عنوان بيتك، خاصة إذا صادف وكنت مقيما في مدن شهيرة وراقية مثل لندن
أو باريس أو نيويورك.
الخطوة التالية هي أن تجد اسما مناسبا وجذابا لمولودك الجديد، ولا تنسى
أن تضيف عليه صفة الدولي أو العالمي أو أن تربطه بمنطقة أو قارة على الأقل،
كأن تسميه المعهد الأوروبي أو المركز الأميركي أو المنتدى العربي.
طبعا بعد تسجيل براءة اختراعك وفقا لقوانين البلد الذي تعيش فيه،
بإمكانك أن تضم إلى عضوية مؤسستك بعض أسماء أصدقائك أو حتى أفراد عائلتك،
ثم تنطلق بعدها مباشرة في الترويج لمنتجك بكتابات هنا ومداخلات هاتفية هناك
ومشاركات في المعارض والملتقيات>
وأن تذكر الجميع بكتاب يكون قد صدر لك قبل بضعة عقود، وأن تعيد صياغة
سيرتك الذاتية بما يجذب إليها منظمي حفلات العشاء الفكرية وبوفيهات التواصل
الثقافي .. ولن أحدثك هنا طبعا عن ضرورة أن تولي عناية خاصة لنوعية الورق
الذي تطبع عليه البيزنس كارد ولربطة عنقك ومحفظتك وللقلم الذي أنصحك بأن
تستثمر في سعره بضع مئات من الدولارات، حتى يتناسب مظهرك مع الاسم الذي
اخترته لمركز أبحاثك.
ستحتاج لبذل جهد بسيط خلال أسابيع، قبل أن تكون أرقام هواتفك - ويفضل أن
يكون لديك أكثر من رقم واحد - في متناول غرف الأخبار وقاعات التحرير
وأقسام العلاقات العامة في المؤسسات القائمة على تنظيم الملتقيات.. ثم لا
تنسى أبدا أن شبكة علاقاتك وقدرتك على فهم المطلوب منك في كل مناسبة تدعى
إليها، هما رأسمالك الوحيد.
أما الباقي، أي مضمون محاضراتك ومداخلاتك وإبداعاتك، فلا تشغل بالك به
كثيرا: تشكيلة من الجمل المطاطة وباقة من المصطلحات المركبة - ويستحسن هنا
أن يكون اشتقاقها لاتينيا- وجولة سريعة عبر غوغل ستفي بالغرض.
ألم يقل الجاحظ قديما: "المعاني مطروحة في الطريق، يعرفها الأعجمي
والعربي والقروي والبدوي، وإنما الشأن في إقامة الوزن وتحبير اللفظ وسهولته
وسهولة المخرج، وفي صحة الطبع وجودة السبك".
الشيء الوحيد الذي أخشى أن يقف عقبة أمام مشروعك هذا، هو شدة المنافسة في سوق السباكين والمحللين السياسيين.
فكثيرون قرأوا الجاحظ قبلك وقبلي، وكثيرون أسسوا مراكزهم ومعاهدهم
واشتروا الأقلام وربطات العنق وضمنوا مقاعدهم في الملتقيات منذ سنوات
طويلة، وكثيرون يا صديقي حفظوا سيرة "أشعب" عن ظهر قلب.
لكن لا تيأس، فالأعراس كثيرة أيضا، وبعض المحللين يموتون من حين لآخر
ويتركون مقاعدهم شاغرة لأمثالك من أصحاب الطموح والمواقف التي لا تزعزعها
إلا موائد العشاء الفاخر في فنادق الخمسة نجوم.