علي توفيق الصادق
من الأسئلة القديمة المتجددة سؤال يدور حول العلاقة بين الإصلاحات الاقتصادية والإصلاحات السياسية يمكن صوغه كما يلي: هل النظامان الاقتصادي والسياسي متلازمان؟ أي هل الحريات الاقتصادية تصاحب الديمقراطية، والتقييد الاقتصادي يصاحب لا ديمقراطية النظم الحاكمة؟ هذا السؤال قديم ما زال يبحث عن جواب شاف وكاف، حيث تتوافر أمثلة عملية ومناقشات نظرية تفيد بأن الحريات السياسية يمكن أن تعيق أو تسهل الإصلاحات الاقتصادية .
ففي تشيلي في ظل حكم الدكتاتور بينو شيت خلال الفترة 1973-،1990 تمت إصلاحات اقتصادية مهمة، حيث ساد اقتصاد السوق وتحرير التجارة وعدم تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية . وكذلك في كوريا الجنوبية في ظل حكم بارك خلال الفترة 1961-،1979 وفي غياب الديمقراطية تمت إصلاحات اقتصادية هدفت إلى الارتقاء بالاقتصاد الكوري من خلال الصادرات الصناعية . كما أن اقتصادات شرقي آسيا نمت وتطورت في غياب الأنظمة الديمقراطية، وبالمثل فإن التقدم الاقتصادي الصيني شاهد عملي على أن النهوض الاقتصادي لا يحتاج إلى ديمقراطية على النمط الغربي .
ونظرياً فإن النظام الديمقراطي الكامل يمكن أن يقع فريسة لمجموعات المصالح الخاصة الذين يضعون أهدافهم ومصالحهم قبل رخاء مجتمعاتهم . ففي بعض الأحيان تجد الرأسماليين منغمسين في مواقعهم المستفيدين منها بحيث يصبحون المناوئين الرئيسيين للإصلاحات الاقتصادية .
كما أن الديمقراطية يمكن أن تؤدي إلى مبالغة في الاستهلاك الخاص والعام وبالتالي إلى نقص في الاستثمارات . لذلك، فإن النظم الديكتاتورية قادرة على الاعتماد على الكبت المالي لزيادة معدل الادخار المحلي وبالتالي تحقيق معدلات نمو مرتفعة .
أما الرأي المعاكس المستند إلى النظرية والدليل التجريبي، فيفيد بأن الديمقراطية غالباً ما تصاحبها إصلاحات اقتصادية . فحقوق الملكية التي تكفلها النظم الديمقراطية هي من أعمدة التنمية الاقتصادية .
وتخلص ورقة عمل حديثة من صندوق النقد الدولي بعنوان “الديمقراطية والإصلاحات: دليل من قاعدة بيانات جديدة” استخدم معدوها بيانات إصلاحات اقتصادية في القطاعات المالية والمصرفية والتجارية وأسواق السلع في 150 بلداً خلال الفترة 1960-،2004 في تحليلاتهم التجريبية مستعينين بأساليب الاقتصاد القياسي، إلى أن للديمقراطية آثاراً إيجابية وقوية في تبني الإصلاحات الاقتصادية ولكن لا يوجد دليل على أن الإصلاحات الاقتصادية تحفز وتمهد الطريق إلى الديمقراطية .
هذه الخلاصة التي توصلت إليها ورقة عمل صندوق النقد الدولي، قد تصيب الكثيرين من المهتمين بالاقتصاد السياسي على الساحة العربية باليأس والإحباط، لأنهم خبروا عملياً أن الانقلابات العسكرية في الخمسينات والستينات من القرن العشرين لم تجلب لهم لا الحريات السياسية ولا التنمية الاقتصادية، وظنوا أن التركيز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والارتقاء بمستويات المعيشة لا بد أن تقود في نهاية المطاف إلى الديمقراطية الفعلية لا الاسمية، بحيث يتم تداول السلطة سلمياً وتتم المنافسة النظيفة والشريفة في الحصول على شرف خدمة البلاد والعباد .