أعجب ممن يحاول ترقيع الرأسمالية بأسلمة بعض تعاملاتها عجبي ممن يريد أن يلمع الليبرالية بمصطلح الليبرالية الإسلامية .. والحق في نظري أنه لا ليبرالية إسلامية ولا رأسمالية إسلامية .. والخلط بين المصطلحات يعد أزمة فكرية تحتاج من المتخصصين إلى تحرير وبيان، إلا أن من فقه الأزمات أن يتم تسليط الضوء على الأزمة الأكثر تربصاً الأزمة المالية المعاصرة التي عصفت بالعالم اليوم، وكان من آثارها عجز في عدد من الميزانيات ، وتفاقم للمديونيات، وتدهور للبورصات، وارتفاع مستمر لمؤشرات البطالة والتضخم .. وليس بخافٍ أن ذلك من نتاج التمويل الربوي بشتى صوره وما تبعه من رهون، وارتفاع أسعار الفوائد الربوية إلى أعلى مستوياتها ، والبيع على المكشوف، وتوليد النقود، والتوسع في بيع الديون عن طريق السندات والتوريق، والتعامل بالمشتقات المالية، وتعاملات أخرى ليس لها من دعم التنمية والاستثمار إلا الاسم.
في خطوة إلى الخلف بل خطوات بدأ تداول السندات في أسواقنا المالية، مع قرب إتاحة التعامل بالمشتقات المالية المسماة بالخيارات والمستقبليات في زمن تستهدف فيه خطة الإنقاذ المالي الأمريكي تشجيع النمو الاقتصادي وزيادة عائدات الاستثمارات إلى أقصى حد ممكن للخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية، ومع تنامي الخسائر وإشهار الإفلاسات وتزايد أجواء التشاؤم وعدم القدرة على اجتثاث مخاوف المستثمرين نادى عدد من اقتصادييهم بتأميم جزء من النظام المالي وشراء عدد من السندات مصدر القلق التي أصبحت ديوناً هالكة.
هل نحن مضطرون أن نعيش الحالة البائسة التي يعيشها الغرب جراء السياسة الاقتصادية الخاطئة؟!
هل قدرنا أن ندخل من ذات النفق المظلم الذي آل باقتصاديات كبرى الدول إلى ما آلت إليه؟!
يقول أحد كبار اقتصادي أوربا : ((إننا في هذه الأزمة بحاجة إلى قراءة القرآن بدلاً من الإنجيل لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا)) تبع ذلك خطوات عملية في تطبيق المصرفية الإسلامية في بريطانيا وعدد من الدول الأخرى التي تتجه ذات الاتجاه.. وبناء على ما اقترحه موريس آلي الحائز على جائزة نوبل تسعى دول غير إٍسلامية إلى تعديل معدل الفائدة إلى حدود الصفر للخروج من أزمة المديونية .. وهو ما يتطابق مع التشريع الإسلامي الذي جاء بمنع الفوائد الربوية.
إن أوامر الشرع ولوازم العقل ومنطق الخبرة ومتطلبات الحدث تحتم على من وضعت بهم الثقة في المشاركة في تولي دفة اقتصاد بلادنا في وزارة المالية ومؤسسة النقد وهيئة سوق المال والمصارف وغيرها أن يكونوا أكثر جدية في تطبيق الاقتصاديات الإسلامية ومن ثم عرضها نقية مما يشوبها على العالم الذي يبحث الآن عن ضالته في النظام الاقتصادي الإسلامي الذي يحترم الملكية الفردية وفق الموازين الشرعية دون غش ولا تدليس ولا احتكار ولا ربا ولا مقامرة ولا ظلم ولا غبن ولا غرر، مع عدم إهمال دور الدولة كشريك للتنمية مع القطاع الخاص، وحفظ التوازن الاجتماعي (( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم )) وتقديم المنفعة العامة على المنفعة الخاصة عند التعارض بينهما، فلا تطرف بإلغاء الملكية كما هو حال النظام الاشتراكي الذي ثبت فشله وتحقق انهياره في وقت سابق، ولا هو تطرف في تقديس الملكية الفردية كما هو حال النظام الرأسمالي الذي يعيش حالة احتضاره اليوم..
كتبه
د/ فهد بن صالح بن محمد العريض
دكتوراه في التمويل الإسلامي
عضو الجمعية الفقهية السعودية
عضو الجمعية الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل