وهكذا
الدنيا إذا سرَّت يوماً فاستعد للإساءة من غد، وإذا أساءت يوم فقد تنعم في
الثاني، أو لا تنعم، أما الجنة في الآخرة فهي دار نعيم في القلب ونعيم في
البدن {و أما إن كان من أصحاب اليمين } وهم الذين أتوا بالواجبات وتركوا
المحرمات، لكنَّ فيهم نقصاً في المستحبات والتنزه عن المكروهات {فسلام} أي:
سلامة {لك} أي: أيها المحتضر {من أصحاب اليمين } أي: أنت من أصحاب اليمين،
والمعنى: فسلام لك حال كونك من أصحاب اليمين، والأولون هم المقربون إليهم،
وأصحاب اليمين لا سابقين ولا مخذولين، بين بين، لكنهم ناجون من العذاب،
ولهذا قال: {فسلام لك من أصحاب اليمين } وهذا القسم الثاني، أما القسم
الثالث: {وأمآ إن كان من المكذبين الضآلين } بالخبر {الضآلين } في العمل
فلا تصديق ولا التزام، فكل كافر داخل في هذه الآية حتى المنافق {فنزل من
حميم } أي: فله نزل من حميم، والنزل بمعنى الضيافة التي تقدم للضيف أول ما
يقدم، فهؤلاء - والعياذ بالله - حظهم هذا النزل نزل من حميم، والحميم هو
شديد الحرارة {وتصلية جحيم } أي يصلون الجحيم فيخلدون فيها، والجحيم من
أسماء النار -
أعاذنا الله
وإياكم منها - {إن هـذا لهو حق اليقين } أي: إن هذا المذكور لكم، وهو
انقسام الناس إلى هذه الأقسام الثلاثة {لهو حق اليقين } أي: اليقين المتحقق
المتأكد وصدق الله - عز وجل - لا يمكن أن يخرج الناس عن هذه الأقسام
الثلاثة. وهم المقربون، وأصحاب اليمين، والمكذبون الضالون، لا يمكن يخرجوا
عن هذا {فسبح باسم ربك العظيم } سبح بمعنى نزه، والذي ينزه الله - عز وجل -
عنه كل نقص وعيب، أو مماثلة للمخلوق، فهو منزه عن كل نقص لكمال صفاته وعن
مماثلة المخلوق، قال الله تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } وقال:
{ولقد خلقنا السموات والأَرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب }
أي: من تعب وإعياء، وقوله: {باسم ربك} قيل: إن الباء زائدة، وأن المعنى سبح
اسم ربك، كما قال الله تعالى: {سبح اسم ربك الأَعلى} وقيل: إنها ليست
بزائدة، وأن المعنى سبح الله باسمه فلابد من النطق بالتسبيح، فتقول: سبحان
الله، أما لو نزهته بقلبك فهذا لا يكفي، فعلى هذا تكون الباء للمصاحبة يعني
سبح الله تسبيحاً مصحوباً باسمه {باسم ربك العظيم } الرب هو الخالق المالك
المدبر، والعظيم ذو العظمة والجلال - جل وعلا -.
هذه
السورة لو لم ينزل في القرآن إلا هي، لكانت كافية في الحث على فعل الخير
وترك الشر، فقد ذكر الله تعالى في أولها يوم القيامة {إذا وقعت الواقعة }
ثم قسم الناس فيها إلى ثلاثة أقسام: السابقون، وأصحاب اليمين، وأصحاب
الشمال، ثم ذكر الله في آخرها حال الإنسان عند الموت، وقسم كل الناس إلى
ثلاثة أقسام: مقربون، وأصحاب يمين، ومكذبون ضالون، وكذلك ذكر الله فيها
ابتدأ الخلق في قوله: {أفرءيتم ما تمنون أءنتم تخلقونه أم نحن الخالقون}
والرزق من طعام وشراب وما يصلحهما فهي سورة متكاملة، ولهذا ينبغي للإنسان
أن يتدبرها إذا قرأها، كما يتدبر سائر القرآن لكن هي اشتملت على معاني
عظيمة والله الموفق.