تفوح
رائحة الهال والفانيلا من الأرض والبنات، نعيق الغربان نهيم الفيل وطنين
النحلة وزفاح قرد وحفيف فياض يحتسي الحواس عطاء الطبيعة. كنوز لا تراها
العين بل تشعر بها بعدالة دامغة، فالجمال الكامن هو الأعمق في الذاكرة.
نزهة منعشة في المزرعة،
منتجع "زوي"
وهو
ليس حكراً على المتزوجات كما هو شائع. تزيّني بإكليل الزهور وإحتسي شاي
الأعشاب وإمرحي قليلاً على ظهر الفيل في البحيرة الصغيرة. كوني «أليس في
بلاد العجائب» وسط أشجار جوز الهند النحيلة والمنحنية كأنها تدعوك لشرابها
المنعش الذي لا ينضب طوال العام. قد لا يكون الزائر على أريكة مخملية أو
يخت فخم، لكنه دون شك في ركن بعيد عن التلوث، مشحون بطاقة خضراء، مزرعة
التوابل عالم عائم على خضرة غير متملّقة.
تدخل
حاستا الشم والتذوق تجربة مزدحمة بين أشجار الكاجو (مسمى برتغالي) وجوز
الطيب Areca Nut والفاكهة الإستوائية. لقاء مع الطبيعة دون أروقة منتهاه
وليمة على ورق الموز على مرأى من 75 فصيلة من طيور، مثل عصافير الجنة
والوقواق بصدره الأبيض والبوميات و«المينا» و«الكوزال» و«هورنبيل» الذي
«يرصّع منقاره شريحة مانغا». طيور مهددة بالإنقراض إنضمت إليها آكلة الجوز،
الببغاوات التي يطمئن عليها «طرزان غوا» قاطف جوز الهند بعد رحلة «إجتياز»
50 شجرة دفعة واحدة.
أحياء
كولفا قد يكون المكان الأندر في العالم حيث لا مكان لل«نفّاج»، أي محاكاة
عالم المشاهير والإزدراء من عالم يفتقر إلى الترف. مجال المقارنة هنا محال،
فالتواصل حواسي بحت. منازل برتغالية برتقالية بنكهة المانجو وعنبرية بأريج
الكاري. يذكّرني هذا المكان بمقولة المصمّم المبدع الراحل ألكسندر ماكوين،
«يمكن إستقاء الجميل من أغرب الأماكن».
من النبات في منتجع "زوري"
فالبساطة
تتبدى هنا حتى الإمتلاء في كولفا الواقعة في جنوب جوا، Extravaganza
«غلواء» الطبيعة بروحانية بيضاء تطبع دور العبادة فقط. لا مكان للبهرجة
والزيف، فالمظهر والجوهر عنصران منصهران بشكل نهائي. بينما الألوان تباغت
الخضرة في المناطق السكنية. هنا قصر برتغالي بنكهة الكاري وهناك آخر آسر
بتجاذب زهرة Marsh Thistle الليكية الشوكية. اللقاح اللاتيني مقحم بألق في
كل تفاصيل الحياة مذ جاءت البرتغال بحثاً عن التوابل، إحتلال من أجل
التوابل... متواضع مقارنة مع مقاربة نثائية الدم والنفط. ملامح لونية
تلمحها في العاصمة بناجي التي تبعد عن كولفا أربعين كيلومتراً، إسمها يعني
أنها «الأرض التي لا يصيبها الفيضان».
تعلّمي
الطهو...إلتزمي بالسمك والأرز والكاري!تغريك نكهات الفاكهة والتوابل
بتعلّم فن الطبخ وإبتكار أطباق من المطبخ الهندي في غوا. وهذا الأخير
تخالطه الحضارات الإسلامية والهندوسية وأكثر من أربعة قرون من الإحتلال
البرتغالي. تشكّل ثمار البحر والأرز والكاري وجوز الهند قوام الولائم
«الغوّية». ولا يمكن تجاهل الكاجو الحاضر بقوة في متاجر غوا، كما تبيعه
النساء الهنديات في الشوارع إلى جانب المانغا والموز والأناناس. لا كياسة
هنا، بل العشوائية العفوية. أي عليك أن تتأقلم مع الإزدحام والفوضى
والتعرّق أحياناً. أنظر إلى الوردة لا أشواكها. وكم أنتِ محظوظة لو أن إسمك
مايا!
من النبات في منتجع "زوري"
شعب
طيب ومتواضع حتى الإلتصاق بالأرض، خصوصاً نساء الساري اللواتي يبعن الخضار
والزينة، «التقّة» و«التشوكر» والخلخال، تحف إستلت من ألقها المجوهرات
الفكتورية. لن تجد اللون الأسود إلاّ حين الليل يسدل ستاره بعد رحلة تسوّق
مطبخية بامتياز. ولا تترددي أيتها الزائرة في تعلّم طبق ال«كافريل» المكوّن
من الدجاج والزنجبيل والتوابل وصلصة ال«بري- بري» البرتغالية.
لا
تتأوّهي من الزحمة فهذا مهين ولا تجزعي من البقرة، فهذا مهين جداً أيضاً !
طبيعة طائلة وطروحة تطرأ بصيغ غنية من الأطباق، ولعل أشهرها في عالم
الحلويات «البيبنكا» السمراء (نوع من البودينغ) واللينة، لا أدري لمَ أسقطت
مذاقها وتركيبتها على صورة أطفال غوا. أما الخبز فملتهب بالتوابل الحدّة.
هنا «الروبيات» لا تنضب فهي تتجاوز أربعين ضعفاً الدولار الأميركي الواحد،
العملة الهندية الوفية لثورة غاندي ونظاراته التي وضعها جون لينون وأبطال
الطبيعة، نمر وفيل ووحيد القرن وأشجار جوز الهند أو أشجار جوز الهند. إمتزج
والطبيعة لا الحجر لا إنجازات البشر، هنا لا برج ولا متحف ولا ضريح ولا
أعمدة...
...
عذوبة اللذة وعزوبة العزلةيلتقي نهرا شابورا - الذي تتسع له الرؤية من على
جسر بين منطقتي مورجيم وسيوليم - وسال (في منطقة بيتول) جنوب جوا مع بحر
العرب في المحيط الهندي. كما يمكنك إعتلاء بقايا قلعة شابورا التي شيّدت
قبل الغزو البرتغالي. لكنهما ليسا الرمزين السياحيين الأكثر جذباً لمغامرة
بولوودية.