المعلمون يقومون بدور كبير في بناء الأجيال التي تقوم عليها حضارات الأمم لأنهم يتولَّون الطاقات البشرية منذ سنواتها الأولى،

ويشرفون مباشرةً على النمو العقلي والروحي للأبناء والبنات في مرحلة التكوين التي تُبنى عليها جميع مراحل العمر البشري إلى آخر

الحياة، ولعلَّ العلاقة الوطيدة التي تنشأ في حياة الطالب بعد علاقته بأسرته هي علاقته بمعلِّمه الذي يُعَدّ من القدوات المهمة في حياة

الأجيال الناشئة.

يدور كلام كثير - هذه الأيام - حول مستوى المعلّم عبر الصحافة وبعض البرامج الإذاعية والتلفازية، وتتعد الآراء حول هذا المستوى

، فمن متحدِّثٍ عن المستوى الثقافي والفكري والتربوي المتدنِّي لمعظم المعلمين، ومن منافحٍ عنهم يرى أنَّ في الحكم عليهم بضعف

المستوى ظلماً لهم، ومبالغةً تخرج بهذا الحكم عن حدود الاعتدال، ونحن نعلم أن هذا الكلام الذي يجري حول مستوى المعلم لا يأتي

من فراغ، وأنه نابعٌ من إحساسٍ بوجود مشكلةٍ يتناقش فيها الناس ويختلفون ولكنَّها موجودة، سواء بحجمها الصغير أم بحجمها الكبير.

وأقول: ليس المعلم شخصاً غريباً علينا حتى يكون تحديد مستواه بعيد المنال صعب التحقيق، فهو منا وفينا، والمعلمون والمعلمات هم

أبناؤنا وبناتنا، وليس من الصعب أن نعرف مستواهم، ونحدِّد المشكلة الحقيقية في هذا المستوى.

أمَّا وجود مستوىً متميِّز لبعض المعلمين والمعلمات علمياً وثقافياً وتربوياً وانضباطاً وشعوراً بالمسؤولية، فهو أمر ثابت لا نشك

فيه، ولا نستطيع التعامل معه بالجحود والنكران، بل إنَّ من الواجب علينا جميعاً، وعلى وزارة التربية والتعليم أن نشيد بهم،

ونشجعهم، ونكافئهم مادياً ومعنوياً، وأن ندفع بهم إلى الأفضل والأحسن، فإذا حسمنا هذه المسألة فيما يتعلَّق بالمتميزين من

المعلمين، فإن المسألة الأخرى تحتاج منا إلى طرحٍ جادٍ، وصدقٍ، وموضوعيةٍ لنتمكن من العلاج.

إن نسبةً كبيرة من المعلمين والمعلِّمات يقفون في مراتب متأخرة متفاوتة في المسيرة التعليمية والتربوية، ولهم علينا حقّ

التوجيه والمناصحة والعمل على تطوير ذواتهم، كما أن لنا عليهم أن يستجيبوا لذلك ويتفاعلوا معه، ويتجاوزا حاجز الخوف

من النقد، والغضب من النصيحة والتوجيه، ونحن نعرف كثيراً ممن يعملون في مجال التربية والتعليم، لا يحرصون على

تطوير ذواتهم، ولا يتفاعلون مع أساليب العصر، ولا يشعرون بأهمية الخروج من رتابتهم، التي جعلتهم - بأنفسهم - يشعرون

بالملل والسأم من أعمالهم، ويعيشون (الروتين) القاتل في مسيرتهم التعليمية، وهذا الصنف من المعلمين والمعلِّمات يؤثِّرون

تأثيراً سلبياً في بناء الأجيال القويَّة علماً وتربيةً، وعملاً، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

لقد اطَّلعت على حال كثير من المعلمين والمعلمات الذين يعيشون حياتهم الوظيفة بنفوس مغلقة، وقلوب منقبضة، فعلمت منهم

أنهم يشعرون بهذه الحالة ولكنهم لا يتحمسون للتغيير والتطوير، ووجدت كثيراً منهم يحمل فكرةً سيئة عن دورات التدريب

التي تلقَّوها مؤكدين أنهم دخلوا فيها وخرجوا منها دون فائدة لأنها دورات رتيبة لا تضيف لهم شيئاً، ويتهمون وزارة

التربية بأنَّها تسترخص الدورات، والدورات الضعيفة لا تقدِّم حلاً، ولكنني حينما ناقشت بعضهم وجدت أن لديه هو مشكلة

تتمثَّل في عدم حرصه على تطوير ذاته، ووجدت بعضهم لا يقرأ شيئاً من الكتب على الإطلاق، ولا يقرأ من الصحف إلا

الصفحات الرياضية، أو الأخبار الخفيفة، ووجدت كثيراً منهم يتعامل مع الوقت بإهدارٍ يدلُّ على عدم شعوره بأهمية

الوقت، ولا شك أن هذه المستويات في مجال التعليم تحتاج إلى تطوير وتدريب، وإلى إخلاص في هذا الجانب نبتعد فيه عن

المجاملات التي لا تفيد، إذا كان هبوط مستوى المعلم عيباً فإن إهمال تطويره، وعدم اهتمامه هو بتطوير نفسه يُعدُّ العيب

الأكبر في هذا المجال.

إذن يتأكد لدينا أن المشكلة موجودة، وأن مسؤولية العلاج تقع على عواتقنا جميعاً، وأن نجاح عملية التطوير والتدريب

مؤكَّّد بإذن الله، إذا صدق العزم، وصحَّتْ النيَّة من الجميع.

منقول.