كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَخْمًا مُفَخَّمًا، عظيمَ الهامَة، عريض الصدر، واسع الجبين، أبيض اللون مُشربًا حمرة، شديد سواد العينين، سهل الخدَّيْن، في حاجبيه دقَّة وطُول، ضليع الفم، في أسنانه دقَّة ورَوْنق، يبلغ شعرُه شحمةَ أذنَيْه، كَثَّ اللحية، مات ولم يبلغ الشيب في رأسه ولحيته عِشرين شعرةً.
كان عنقُه وكأنَّه صورة أو نقْش في نحو رخام أو عاج، بادِنًا متماسكًا، سَوَاء الصدر والبطن، أَشعرَ الذراعين والمنكبين، غليظ الكفَّين والقدمَيْن.
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حلوَ المنطق، خافض الطرف، نظَرُه إلى الأرض أكثر من نظَرِه إلى السماء، يَسُوق أصحابه ويبدأ مَن لقيه بالسلام.
وصَفَه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بأنَّه أجود الناس كفًّا، وأرحبُهم صدرًا، وأصدقهم لهجةً، وأوفاهم ذمَّة، وألينهم عَرِيكة، وأكرمهم عِشرة، مَن رآه بديهةً هابَه، ومَن خالَطَه أحبَّه.
كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- متواصِلَ الأَحزان، دائمَ الفكر، ليست له راحة، ولا يتكلَّم في غير حاجة، طويلَ السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بجوانب فمه، سهل رخو، ليس بالجافي ولا المَهين، إِذا أَشار أَشار بكفِّه كلِّها، وإِذا تعجَّب قَلبها، وإِذا تحدَّث يصل بها يضرب براحته اليمنى باطن إِبهامه اليسرى، إِذا غضب أَعرض وأشاح، وإذا فرح غضَّ طرفه.
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سهلَ الخلق، ليِّن الجانب، ليس بفظٍّ، ولا بغليظ، ولا بصيَّاح ولا بعياب، يتغافل عمَّا يشتهي، لا يذم أحدًا ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلَّم إلا فيما يرجو ثوابَه.
كان سكوته على أربع: الحلم والحذر والتقدير والتفكير، يُساوِي بين الناس في النظر إليهم والاستماع لهم، كان كثيرَ الصمت، إذا تكلَّم بكلمةٍ ردَّدَها ثلاثًا، لم يكن يسرد سردًا، فصلاً في كلامه، يفهمه كلُّ أحد، إذا خطب الناس أحمرَّت عيناه ورفع صوته واشتدَّ غضبه كأنه منذرُ جيشٍ.
كان رحيمًا بالصبيان، ويطلب منهم أنْ يستبقوا إليه فيستبقون فيقفون على ظهره فيُقبِّلهم ويلتزمهم، كان يَدخُل في الصلاة فإذا أراد أنْ يطيلها وسمع بكاءَ صبيٍّ تجوَّزَ في صلاته خشية شدَّة وجْد أمِّه من بُكائه.
بُعِثَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من خِير قُرون بني آدم قرنًا فقرنًا حتى كان من خير قرنٍ كان فيه.
خرج على ناسٍ من أصحابه يومًا فسمع بعضهم يقول: عجبًا، إنَّ الله - تبارك وتعالى - اتَّخذ من خلقه إبراهيم خليلاً.
وقال آخَر: ماذا بأعجب من كلام موسى؛ كلمه ربُّه تكليمًا.
وقال آخَر: ماذا بأعجب من جعْلِه عيسى كلمةَ الله وروحَه.
وقال آخَر: ماذا بأعجب من آدم، اصطَفاه الله عليهم وخلَقَه بيده، ونفخ فيه من رُوحِه، وأسجد له ملائكته.
فسلَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه، وقال: ((قد سمعتُ كلامَكم وعجبكم أنَّ إبراهيم خليل الله، وهو كذلك، وأنَّ موسى نجيُّ الله، وهو كذلك، وأنَّ عيسى روح الله وكلمته، وأنَّ آدم اصطفاه الله وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد ولا فخر، وأنا أوَّل شافع وأول مُشفَّع يوم القيامة، ولا فخر، وأنا أوَّل مَن يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيُدخِلنيها ومعي فُقَراء المؤمنين، ولا فخر)).
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشجع الناس، وأسخاهم، وأجودهم، ما سُئِل شيئًا، فقال: لا، ولا يبيت في بيته دينار ولا درهم، فإنْ كان ولم يجد مَن يأخذه وفجَأَه الليل، لم يرجع إلى منزله حتى يبرأ منه إلى مَن يحتاج إليه، لا يأخُذ ممَّا آتاه الله إلا قوت أهله عامًا فقط.
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أحلم الناس، وأشدَّ حَياء من العذراء في خِدرها، وإذا كره شيئًا عُرِفَ ذلك في وجهه، كان أشدَّ الناس تَواضُعًا، يُجِيب مَن دَعاه من غني أو فقير، أو حر أو عبد.
كان أرحم الناس؛ يُمِيل الإناء للهرة، وما يرفعه عنها حتى ترتوي؛ رحمةً بها.
كان أعفَّ الناس، وأشدهم إكرامًا لأصحابه، لا يمدُّ رجليه بينهم، ويوسع عليهم إذا ضاق المكان، ولم تكن ركبتاه تتقدَّم ركبة جليسه، له رفقاء يحفون به، إنْ قال أنصتوا له، وإنْ أمَرَ تبادَرُوا لأمره، كان يتفقَّد أصحابه ويسأل عنهم، فمَن مرض عاده، ومَن غاب دعا له، ومَن مات استرجع فيه، وأتبعه الدعاء له، ومَن تخوَّف أنْ يكون وجد في نفسه شيئًا، انطلق إليه حتى يأتيه في منزله.
كان يخرج إلى بساتين أصحابه، ويأكُل ضيافتهم، ويتألَّف أهل الشرف، ويُكرِم أهل الفضل، ولا يطوي بشره عن أحدٍ، ولا يجفو أحدًا، ويقبل مَعذِرة المعتذِر إليه، الضعيف عنده والقوي في الحق سَواء، لا يدع أحدًا يمشي خلفه، ويقول: ((خلُّوا ظهري للملائكة))، ولا يدع أحدًا يمشي معه وهو راكب حتى يحمله، فإنْ أبى قال: ((تقدمني إلى المكان الفلاني))، ويخدم مَن خدمه، وله عبيد وإماء، ولا يرتفع عنهم في مأكل ولا ملبس.
خدَمَه أنس بن مالك - رضِي الله عنه - نحوًا من عشر سنين، فما صَحِبَه في حضرٍ ولا سفرٍ ليخدمه إلا كانت خدمة الرسول -صلى الله عليه وسلم- له أكثر من خدمة أنس له، ما قال له: أفٍّ، قطُّ، ولا قال لشيء فعَلَه: لِمَ فعلت كذا؟ ولا لشيء لم يفعله: ألا فعلت كذا.
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكره أنْ يتميَّز على الناس؛ خرج يومًا إلى سفرٍ، فأمر بإعداد شاة، فقال رجل: يا رسول الله، عليَّ ذبحها.
وقال آخر: عليَّ طبخها.
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وعَلَيَّ جمْع الحطب)).
فقالوا: يا رسول الله، نحن نكفيك.
فقال: ((قد علمت أنَّكم تكفونني، ولكن أكره أنْ أتميَّز عليكم؛ فإنَّ الله يكره من عبده أنْ يراه مُتميزًا بين أصحابه))، وقام يجمَع الحطب.
كان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذِكرٍ، وإذا انتهى إلى قومٍ جلس حيث انتهى به المجلس، ويأمُر بذلك، ويعطي كلَّ أحد من جُلَسائه نصيبَه، لا يحسب جليسه أنَّ أحدًا أكرم عليه منه، وإذا جلس إليه أحدُهم لم يَقُمْ -صلى الله عليه وسلم- حتى يقوم الذي جلس إليه، إلا أنْ يستعجله أمرٌ، فيستأذنه، ولا يقابل أحدًا بما يكره، ولا يجزي السيِّئة بمثلها، بل يعفو ويصفح.
كان يحبُّ المساكين ويجالسهم، ويشهد جنائزهم، ولا يحقر فقيرًا لفقره، ولا يَهاب ملكًا لملكه.
يُعظم النعمة وإن قلَّت، ولا يذم منها شيئًا، ما عابَ طعامًا قطُّ؛ إن اشتهاه أكله، وإلا تركه.
وكان يحفظ جاره، ويُكرِم ضيفه.
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر الناس تبسُّمًا، وأحسنهم بشرًا، ولا يمضي له وقتٌ في غير عمل لله، أو في ما لا بُدَّ منه، وما خُيِّرَ بين أمرين إلا اختار أيسرهما، إلا أنْ يكون فيه قطيعة رحم، فكان أبعد الناس منه.
كان يصلح نعله، ويرقع ثوبه، ويركب الفرس والبغل والحمار، وكان يركب خلفه عبده أو غيره، ويمسح وجْه فرسه بطرف كمه، أو بطرف رِدائه.
كان يحبُّ الفأل ويكره التشاؤم، إذا جاءَه ما يحبُّ، قال: ((الحمد لله ربِّ العالمين))، وإذا جاءه ما يكره، قال: ((الحمد لله على كل حال)).