السؤال
السلام عليكم.
مشكلتي التي أعاني منها أن زوجي خيانته كثيرة، صحيح أنَّها بيْن فترات متباعِدة، ولكن دائمًا أكتشفه ويُنكر، ويُحملني الغلط، ويقول: إنه ليس من حقي التجسُّس على هاتفه، وأُصبح أنا المخطئة، وبدأ يتغيَّر في السنين الأخيرة، ولم أعد ألاحظ عليه أمورًا تدعو للشك، وبعدها حاولتُ أن أفتِّش بهاتفه وعرَف بذلك، وغضِب مني، ولكن لم أجدْ عندَه أي شيء يدلُّ على خيانته؛ لذلك زاد غضبه، وقال لي: إن تكرَّر ذلك منك سوف تكون نهاية علاقتنا، بعدها افترقْنا قرابة الشهر، ثم عُدْنا لبعض في تلك الفترة اكتشفتُ أنَّه عاد وخانني، ولكن لم أوضح له أنَّني عرفتُ، وغضضت النظر عن الموضوع، وسارت علاقتنا جيدة.
المشكلة الأخرى التي تزيد أكثرَ مِن شكي أنه يعشَق السفر إلى دولة في جنوب شرق آسيا، وعندما أمنعه ندخُل في صِراعات ليس لها نهاية، حتى أجبرتُ نفسي ووافقتُ.
المشكلة التي فعلاً أريد لها حلاًّ هي أنني قبل أيام وأنا أراجع في هاتفه وجدتُ رسالة قديمة مِن صديق له لها - تقريبًا سنة - وهو في البلد التي يسافِر لها زوجي، ويقول له: إنَّه كان يصِف لزوْجي عن علاقة محرَّمة مع فتاة، ويصِف ما حدَث بينه وبينها، ويعلمه أنه غدًا سوف يكون مع صديقتِها الأخرى!
عندما رأيتُ الرِّسالة جُنَّ جنوني وأصبتُ بانهيار عصبي حاد، ولكن لم أستطع أن أواجه زوجي بأنني عرفتُ بأمر الرِّسالة، ولكنَّه شكَّ بأنني فتشتُ بهاتفه، ولم يخطر بباله أنني تضايقتُ بسبب الرِّسالة، بل بسبب رسالة عادية أخرى كانت قد أرسلتها أختُه له، وظلَّ يُبرِّر أن الرسالة لأخته، وقلتُ له: ليس السبب تلك الرِّسالة، وإنني لم أعبث بهاتفك، لكن ما بي أكبر مِن ذلك!
ولا أعلم هل أصارِحه بأنني عرفتُ أو أصمت وأتحمل، أو أطلب الطلاقَ من دون تقديم المبرِّرات، لأنَّني أتوقَّع أنه ما دام صديقه هكذا، فلا بدَّ مِن أنَّ زوجي شريكٌ له في تلك الأمور.
دلُّوني على الحل أرجوكم.
الجواب
وعليكم السلام ورحمةُ الله وبركاته.
مِن أكبر الأخطاء المتكرِّرة التي ترتكبها المرأةُ: أنها عوضًا عن البحْث عن كيفية علاجِ هذه المشكلة وإيجاد الحلول لها، تشغل نفسَها بالمتابعة المستمرَّة والتفتيش الدائم في أمتعةِ الزوج وتكتفي بالسَّعْي إلى الوصولِ إلى المزيد مِن النتائج ضدَّ الزوج، والأدْهى أنَّها تعدُّ تلك الأدلة التي تقف عليها أقْصى ما تودُّ الحصولَ عليه، وتعدُّه إنجازًا وعملاً رائعًا!
أيَّتها الزوجةُ الكريمة، لستِ بحاجة إطلاقًا للبحْث والتفتيش في أغراض زَوجكِ، بل أنتِ بحاجة ماسَّة للبحث والوقوف على ال121سببًا الحقيقي الذي دفَع زوجكِ لارْتِكاب هذا المنكَر، والعمل الجاد على إعادته إلى طريقِ الهُدى والاستعفاف عنِ الوقوع في الرَّذائل والنجاة مِن الفتن.
تأمَّلي في حال زوجكِ من حيثُ قوةُ الإيمان، والمرحلة العُمرية، والبيئة التي نشَأ فيها، والصُّحبة المحيطة به.
وبما أنَّك لم تَذكُري عن ذلك إلا الصُّحبة السيِّئة؛ "رسالة صديقه التي يصِف فيها بكلِّ وقاحة وقوعه في الفاحِشة"، فعليكِ بالتفكُّر في كلِّ ذلك ومراجعته مع نفْسكِ، والعمل على تغيير كلِّ واحدة إلى الأحْسن؛ فتقوية الإيمان معلومٌ سبيلها، كالتشجيع على المحافَظة على الصلاة في أوقاتها، والمحافظة على وِرد من القرآن، وتعلُّم ولو اليسير من العِلم النافع، والمحافظة على شيءٍ من السنن، وأذكار الصباح والمساء، وغيرها مِن الأمور التي تُقرِّب إلى الله، وتبعد عن المعاصي.
وأمَّا البِيئة التي نشَأ فيها، فلا سبيلَ لكِ إلى تغييرها، وإنَّما يكون بالعمل على إصلاح حالِه وتوضيح قُبح تلك الأفعال وسوء عاقبِتها.
ولعلَّ الصحبة لا تَخفى عليكِ أهميتُها وقوَّة تأثيرها على كل إنسان، فلتَعْملي على ربطِه بأهل البِرِّ والصلاح، ولكن بطريقٍ غير مباشر ومِن غير إجبار.
نأتي الآن للنقطة التي قد تغيب عن بعضِ النِّساء، وهي المرحلة العُمرية التي يمرُّ بها الزوج، فمِن حديثكِ يبدو أنَّه قد تجاوز لتوِّه الأربعين، وهي مرحلة حسَّاسة لكثيرٍ مِن الرجال؛ تطرأ فيها بعضُ التغيرات الفسيولوجيَّة والنفسيَّة التي ترهقه وتُشعره بالقلق، فيبقى بحاجة لمزيدٍ مِن جرعات الحنان والعطف، واستشعار الأمن والدفء الأُسري .. لا داعي للخوض في هذه النقطة كثيرًا، لكن يجْدُر بي أن أحيطكِ علمًا بأهمية وضرورة التعامُل مع زوجكِ بأسلوب مختلِف.
- لا بدَّ من إظهار الثِّقة فيه، وأوَّل خطوة للسير في هذا الطريق تجنُّب التفتيش نهائيًّا، وقد يعينكِ على ترْكه تذكُّركِ أنه لن يفيدكِ شيئًا ولن يَزيدكِ إلا عذابًا فوقَ عذابكِ، أعلم أنه ليس سهلاً، وأنَّ الفضول الأُنثوي قاتل، لكن الحِلم بالتحلُّم، والصبر بالتصبر!
- تقرَّبي إلى زوجكِ على قدْر الاستطاعة، ولا يَحملنكِ فارق العمر على بناء سدٍّ منيع بينكما، أو جعْل العلاقة أشْبه بالطالِب والمعلِّم، أو الولد والوالِد؛ بل اجْعلي مِن زوجكِ رفيقًا وصديقًا وحبيبًا، ولكلمة ممنوعةب قلْبه حاولي تجنُّبَ اللوم والعِتاب واستبداله بجعل النَّصائح في وقتٍ لاحق، وبأسلوبٍ غيرِ مباشر.
- إيَّاكِ وسوءَ الظن، نعمْ، وارد أن يكون شريكًا لصديقه فيما يفْعل، لكن مَن قال: إنَّه لا بدَّ أن يكون كذلك؟ أين نحن مِن قول ربنا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا ﴾ [الحجرات: 12]؟
- تزيَّني لزوجكِ وتزيَّني وتزيَّني؛ بكلِّ أسف تثِق كثيرٌ من النساء - خاصة صغيرات السِّن - في نفسها، وتنشغل ببيتها وأبنائها وتُهمل أهمَّ شيء في حياتها: الزوج أوْلى الناس بحُسن الصُّحبة وطِيب العشرة، لكن كيف تتزيَّني له؟ بعض النساء تتزيَّن لزوجها بما يَزيده منها نفورًا! وبعضهنَّ تبالغ في وضْع المساحيق فتبدو وكأنها مهرج، وبعضهنَّ تتزيَّن وتتجمل بما تراه هي جميلاً، وإنْ خالف ما يحبُّ زوجها، فأكرِّر لكل النساء: تزيُّنكِ لزوجكِ يكون بما يحبُّ هو، وليس بما تُحبِّين أنتِ، يكون بالشكل مع الفِعل، وليس واحدًا دون الآخَر.
- يكون الزوج الخائن غالبًا من النَّمَط التعبيري، قد يُفيد معه التعاملُ بالمشاعر واستثارة الأحاسيس، وليس بالكلام والتحليل، لا يحبُّ الجدال والمناقشات، بل يتأثَّر بلُغة الجسَد، والإشارة بالأعين، والحرَكات الرُّومانسية، والكلمات الشاعريَّة.
أخيرًا:
قيل: إنَّ الحبَّ كالزهرة الجميلة، والوفاء هو قطراتُ النَّدَى عليها، والخيانة هي الحذاء البغيض الذي يدوس تلك الزهرةَ فيسحقها!