الحمد لله الذي نزل الذكر ، و حفظه على ممر الأزمان، فقيض له عدولا يحملون العلم في كل عصر، و أوان،لينفوا
عنه تحريف الجاهلين، و انتحال المبطلين، و غلوا الغالين
من أهل الكذب و الهوان، أحمده على تماما الإحسان، و أشكره على كمال الإمتنان.
و أشهد أن لا إله إلا الله الملك الديان و أشهد أن محمدا عبده و رسوله إلى الخلائق أملاكها، وإنسها، و الجان، صلى الله
عليه و على أصحابه أهل الجد و العرفان، و على التابعين لهم بإحسان من كل من حفظ الشريعة، و لها صان،
صلاة و سلاما دائمين، ما تعاقب الملوان، و تتابع الجديدان
أحق الناس بحسن صحبتك والداك
كثيراً ما يخطئ الإنسان في اتخاذ الصاحب والخليل،فلا يستطيع أن يجدَ المخلص الوفيَّ،ويركض في طلبه،فتتعثر قدماه،ويبحث هنا وهناك بجدٍّ ونشاط،لعله يجد المخلص الوفي،فيلمح من بعيد صديقاً،فيصادفه،حتى إذا صادفه وجده غير ذلك .
ولم يترك النبي صلى الله عليه وسلم الإنسان وهذه حالته في التقلب،فدلَّه إلى طريق مختصر قصير جدًّا في الوصول إلى الصديق الوفي .. إنه الوالدان،فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم،فقَالَ:يَا رَسُولَ اللهِ،مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قَالَ:أُمُّكَ،قَالَ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:أُمُّكَ،قَالَ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:أَبُوكَ،قَالَ:فَيَرَوْنَ أَنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَيِ الْبِرِّ.[1]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم،فقَالَ:مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صُحْبَتِي ؟ قَالَ:أُمُّكَ،فقَالَ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:أُمُّكَ،قَالَ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:أُمُّكَ،قَالَ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:أَبُوكَ.[2]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم،فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،أَنْبِئْنِي مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قَالَ:نَعَمْ وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّ:أُمُّكَ،قَالَ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:ثُمَّ أُمُّكَ،قَالَ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:ثُمَّ أُمُّكَ،قَالَ:ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ:ثُمَّ أَبُوكَ،قَالَ:تُنَبِّئُنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ،مَالٌ أَتَصَدَّقُ بِهِ ؟ قَالَ:نَعَمْ وَاللَّهِ لَتُنَبَّأَنَّ:تَصَدَّقْ وَأَنْتَ صَحِيحٌ،شَحِيحٌ،تَأْمُلُ الْعَيْشَ،وَتَخَافُ الْفَقْرَ،وَلا تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ نَفْسُكَ هَاهُنَا،وهاهنا،قُلْتُ:مَا لِي لِفُلانٍ،وَمَا لِي لِفُلانٍ،وَهُوَ لَهُمْ وَإِنْ كَرِهْتَ "[3]
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،قَالَ:قَالَ رَجُلٌ:يَا رَسُولَ اللَّهِ،مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ مِنِّي بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قَالَ:أُمُّكَ،ثُمَّ أَبَاكَ،ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ "[4]
وقد يقول قائل:أنا في غنى أن أتخذ صاحباً وصديقاً ؟ فالجواب:إذا أنت استغنيت فلا بأس،ولكن الوالدين لا يستغنيان عن صحبتك،ومحادثتك، ومشاورتك،وسماع رأيك في كثير من القضايا التي تستجد في حياتهما وحياة إخوتك .
وأنت لا يمكن أن تستغني عنهما وعن مشورتهما في أمور الحياة،فلهما تجربة سابقة،وهما حريصان على نصحك وإرشادك أكثر من حرصهما على أنفسهما،وقد أمر تعالى بصحبة الوالدين ولو كانا كافرين:{ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (15) سورة لقمان .
[1] - صحيح ابن حبان - (2 / 176) (433) صحيح
[2] - صحيح البخارى- المكنز - (5971) وصحيح مسلم- المكنز - (6664) وصحيح ابن حبان - (2 / 177) (434)
[3] - مسند أبي يعلى الموصلي (6092) صحيح
[4] - مسند أبي يعلى الموصلي (6094) صحيح