قالت حواء باكيةً: لو كنت أعلم أن الرجال بلا قلب لما تزوجت أبدًا.
قلت لها: ومَن قال إن الرجالَ بلا قلب؟
ضحكت بسخرية وقالت: يا إلهي لم يمضِ على زواجي سوى عام واحد وكأنني عجوزٌ في الستين من عمري.
قلت لها: ولما يا حواء هذا الحال البائس أليس زوجك يعرف الله- عز وجل- ويؤدي فرائضه.
قالت: نعم إنه رجل متدين يؤدي فرائضه ويخشى الله، ولكن لا أدري كيف أصف، إنني- ويعلم الله- اجتهد في إرضائه، فأتزين له وأحدثه بكلامٍ طيبٍ وأعد له طعامه وأعتني ببيتي على أكمل وجه، ولكن يبدو أن كل هذا لا يعجبه ولا يرضيه.
قلت: كيف يا أختي الحبيبة؟
قالت: إذا تزينتُ له انتظرتُ أن يُبدي إعجابه أو حتى مجرَّد ملاحظته لتزيني، ولكن كأنه لا يرى، وسبحان الله إذا جاء يومًا ولم أكن متزينة لسببٍ أو لآخر، يسألني فورًا ما سبب هذا الحال العجيب؟
فضحكت وقلتُ لها: وماذا أيضًا؟
قالت حواء في أسى: أظل في المطبخ لساعاتٍ طويلة أعد له فيها، ما أعلم أنه يحبه ويفضله من أطباق لذيذة، وصعبة، وفي حين يثني جميع الناس على طعامي، أما هو فيأكل ولا تعليق، وكأن الأكل لا يعجبه.
فقلت لها: وهل هذا كل ما تشكين منه؟
قالت: لا بل خذي أيضًا أنني لا أملَ من إبداء شعوري نحوه، والتعبير عن حبي له بينما هو لا يتكلم عن شعوره نحوي بشيء، فإذا سألته صراحةً ردَّ بتعجب طبعًا ألستِ زوجتي؟
قلت لها: والله يا عزيزتي أنا أرى أن شكواكِ يشترك معكِ فيها كثيرًا من أخواتك، فما رأيك أن أذهب إلى آدم وأحاوره....
تعجَّب آدم من شكوى حواء، وقال: يا إلهي إنني لم أكن أتخيل هذا، فأنا مستقر تمامًا مع زوجتي وأحبها ولا يمكنني الاستغناء عنها، فهي نعم الزوجة، وأفضل النساء...إلخ.
عندها سألت آدم: ولكن لِمَ لا تُخبرها بذلك، وتتركها في قلقٍ تلعب بها الظنون؟
رد باستغراب: ولكنني وإن كنت لا أجيد الكلام، لكنني أُعبر لها عن حبي وامتناني وإعجابي بطرق كثيرة.
قلت له: ولكن ألا تعلم يا آدم أن فطرة المرأة يلازمها حب الثناء والإطراء دائمًا، فإن أنت لم تفعل ستفتقده، فهي تصبر ثم تصبر ثم تمل ثم تصاب بإحساس دائم بالحزن وعدم الرضا فلا تدفع زوجتك لأن تتسول منك الثناء فلا تجعلها مضطرة لسؤالك هل أعجبك ثوبي، أو هل كان عطري جميلاً، بل بادرها أنت بإبداء الثناء.
قال آدم: لكنني مرةً أخرى أقول لك قد لا أستطيع استخدام الكلمات في التعبير عن شعوري، ولذا أحتاج إلى بعض الإنصاف، أليس في معاونتي لها في المنزل معنى كلمة "أنا أحبك"! ألا يحمل اهتمامي براحتها عندما تتعب معنى أنني لا أستطيع الاستغناء عنك! ثم ألا يعتبر احتفائي بأهلها إكرامًا لخاطرها وتقديرًا لها!.
وأخيرًا أليس في سؤالي لها عندما لا تكون في أبهى زينة عما طرأ عليها اهتمامًا مني وخوفًا من أن يكون قد ألمَّ بها شاغل أو تعب فأقلق عليها؟! ثم إنني أكون كالطفل اليتيم إذا غابت ولو ليوم واحد.. فماذا تريد حواء أكثر من هذا؟!.
قلت: يا آدم إن الزوجةَ تتلهف لأيام الزواج الأولى، أيام الكلام الجميل وطلاقة الوجه والإقبال عند الحديث، فاثبت على هذا ولا تتأخر عن هذا الخير فيفوتك.
وعدت لحواء فقلت لها: قد لا يستخدم آدم الكلمات والألفاظ، لكنه يحنو بالتصرفات والأفعال فما عليكِ إلا أن تترجمي هذا إلى كلمات، واسعدي بها وكوني له كما يحب دائمًا، واذكري قول عائشة- رضي الله عنها- لبكرة بنت عقبة: "إن كان لك زوج فاستطعتِ أن تنزعي مقلتيك فتصنعيهما أحسن مما هما فافعلي" (رواه مسلم).