في الاستعاذة و الحذر من الشيطان
روي عن مجاهد بن جبير المخزومي رضي الله عنه أنه قال: من ذرية إبليس اللعين ولد يسمى زكبتور وهو صاحب الأسواق يضع فيها رايته كل يوم .
روي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: قلت: يا رسول الله ما من أحد إلا ومعه شيطان ؟ قال
نعم )، قالـت: وأنت يا رسول الله ؟ قال
وأنا إلا أن الله أعانني عليه وأسلم ) "1"
قال رســول الله صلى الله عليه وسلم
إذا بلغ رجل أربعين سنة ولم يغلب خيره على شره ، قبله الشيطان بين عينيه وقال : فديت وجها لا يفلح أبدا ). "2"
أما من تاب الى الله بعد الضلالة يقول الشيطان: لعنة الله : واويلاه قطع عمره في الضلالة فأقر بالمعصية عيني ، ثم أخرجه الله بالتوبة من الجهالة فأكثر بالتوبة حزني.
روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: كنت مع رسول الله وجبريل عليه السلام معه ، فجعل النبي يقرأ ، فإذا بعفريت قد أقبل من مردة الجن وفي يده شعلة نار وهو يقرب من النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال جبريل عليه السلام : يا محمد الا أعلمك كلمات تقولها فينكب العفريت لوجهه وتطفأ شعلته ؟ قال له: قل أعوذ بنور وجه الله الكريم وكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر طوارق النهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فكب العفريت على وجهه وطفئت شعلته. "3"
ذكر في بعض الأخبار كما جاء في كتاب بستان الواعظين ورياض السامعين للشيخ الحافظ ابن الجوزي في مجلس الإستعاذة من الشيطان الرجيم : أن إبليس لعنة الله على عليه يبعث في كل يوم ثلاثمائة وستين عسكرا لإظلال المؤمنين ، والله تعالى ينظر في قلوبهم ثلاثمائة وستين نظرة ففي كل نظرة من نظراته تهلك عسكرا من عساكره فأنى تبقى عسكر الشيطان في جنب نظرة الرحمن؟.
قال الله تعــالى: ( الشيطان يعــدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا ) "4".
وقال الله تعالى: ( ومن يوق شح نفسه فؤلائك هم المفلحون )"5"
والبخيل الشحيح ليس بواق ولا مفلح وإن البخل شجرة في النار وأغصانها مدلاة على الدنيا وهي شجرة الشيطان فمن تعلق بغصن منها قادته الى النار ، وكذلك الكرم شجرة في الجنة وأغصانها مدلاة على الدنيا فمن تعلق بغصن منها جدبته الى النعيم ، والكرم من اخلاق الكريم فمن تعلق به فقد أسخط الشيطان الرجيم ، ودليل ذلك أن الله لم يبعث نبيا قط إلا وهو كريم ، والكرم من أخلاق الأنبياء والصديقين وهو من أخلاق رب العالمين.
روي عن علي بن إبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: ( من جمع ست خصال لم يدع للجنة مطلبا ولا عن النار مهربا ، أولها من عرف الله فأطاعه ، والثانية من عرف الشيطان فعصاه ، والثالثة من عرف الحق فإتبعه ، والرابعة من عرف الباطل فإجتنبه ، والخامسة من عرف الدنيا فأعرض عنها والسادسة من عرف الجنة فطلبها ).
كما أن الشيطان ليس له سلطان على أحد كما قال تعالى: ( إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا )"6" وأعطانا الله علاجا بسيطا للتخلص منه ووسوسته وذلك بالإستعاذة منه لقوله تعالى: ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فإستعذ بالله )"7"
وذكر عن أبي سعيد أنه قال في قوله تعالى: ( أن عبادي ليس لك عليهم سلطان )"8" ، كأنه يقول إن كان لك عليهم سلطان أن تلقيهم في معصية الله فليس لك عليهم سلطان أن تمنعهم من مغفرة الله.
قال تعالى: ( إن كيد الشيطان كان ضعيفا )"9" ، والانسان ايضا ضعيفا ، والضعفاء اذا اقتتلا لم يظفر أحدهما بالآخر فأمر الله الانسان الضعيف أن يستعين بالرب اللطيف من كيد الشيطان ليعــصمه منه ويـعينه عـليه ، قال الله تعالى : ( إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم )"10" ، والله تعالى لما قبح صورة إبليس ولعنه وشوه خلقته وأوحش هيأته وقامته لطف بعباده حيث ستره عنهم حتى لا تستوحش قلوبهم اذا ابصرته أعينهم ، ولذلك جعل الله السماء موضع نظرهم وزينها بمصابيح النجوم وغيرها وحفظها من الشيطان الرجيم برواصد الشهب ، وجعل في السماء جنة النعيم موضع ترغب المؤمن كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: ( لما خلق الله تبارك وتعالى الجنة قال لها : تزيني فإزينت ، ثم قال لها: تكلمي فقالت: قد أفلح المؤمنون )"11". والأصل أن الله تعالى يعامل العباد على عقائد قلوبهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله لا ينظر الى صوركم ولكن ينظر الى قلوبكم )"12".
الهوامش:
1- أخرجه أحمد في المسند 1/358 ، والبيهقي في السنن الكبرى 2/116
2- أخرجه المتقي الهندي في كنز العمال 42659
3- أخرجه أحمد في المسند 3/419
4- البقرة 268
5- الحشر 09
6- النحل 99
7- فصلت 36
8- الحجر 42
9- النساء 76
10- الأعراف 27
11- أخرجه بنحو الحاكم في المستدرك 1/392 ، والهيثمي في مجمع الزوائد 10/397
12- أخرجه إبن ماجه حديث 4143 ، أحمد في المسند 2/285
المرجع:
من كتاب بستان الواعظين ورياض السامعين للشيخ الحافظ ابن الجوزي