ظاهرة تأخر سن الزواج
تحقيق ـ علي الفتلاوي
اساتذة ومتخصصون يعدونها تدهورا في بنية المجتمع
تعد ظاهرة تأخر سن الزواج من الظواهر الاجتماعية السلبية والخطيرة في مجتمعنا اذ تفوق في خطورتها الكثير من الظواهر الاخرى التي تعاني منها الكثير من المجتمعات بما فيها المتقدمة.
ومن الملفت انها بدأت تتزايد وتتسع يوما بعد يوم متزامنة مع ازدياد معوقات الحياة التي افرزتها العوامل التكنولوجيا الهائلة التي نأت به بعيدا عن الحياة الطبيعية البسيطة في كل حيثياتها، ان الانسان له حاجة غريزية يجب اشباعها بشكل سليم عن طريق الزواج وان عدم اشباع هذه الغريزة يعني ظهور الكثير من المضاعفات الفسلجية والنفسية والاجتماعية.
نحاول في هذا التحقيق تسليط الضوء على بعض النقاط المهمة في هذا الشأن لما لها من اهمية على حياة الفرد
* اسباب كثيرة!!
- الباحث الاجتماعي (محمد القيسي) يرى ان لكل ظاهرة في الحياة اسبابها وتأخر سن الزواج حالة معينة لها من المسببات الكثيرة فمنها ما تكون شخصية او اسرية او مجتمعية. الشخصية تنقسم الى قسمين الاول الذاتية كأن يكون ذلك الشخص مصابا بأمراض او عقد نفسية واما القسم الثاني فهو ما تكون مسبباته مرضية تناسلية او غير ذلك تمنع بموجبها ذلك الشخص عن الزواج. اما الاسرية فتتلخص في رفض الاسرة لزواج احد افرادها لسبب من الاسباب ومثال ذلك هو كون العائلة عددها كبير نسبيا وهذا ينطبق على الرجل والمرأة في آن واحد، اما الاسباب المجتمعية فيقصد بها العادات والتقاليد السائدة في مجتمع معين التي تحول دون اتخاذ قرار الزواج احيانا مثل غلاء المهور وكذلك قد تكون ارهاق المتقدم للزواج بشروط تعجيزية ناتجة عن نفخة اجتماعية كاذبة من قبل اهل الفتاة تجعله يتردد بالارتباط بشكل جدي.
ويضيف قائلا:
كمقياس لعمر الزواج ارى انه يختلف بين مجتمع واخر وبين الريف والمدينة واذا اخذنا بنظر الاعتبار مجتمعنا في الوقت الحاضر لوجدنا ان الاعمار تتراوح ما بين 18- 35 بالنسبة للذكور و16- 23 للاناث هذا النسب تنطبق بطبيعة الحال في المدينة اما في الريف فنجد ان النسب تختلف فهي للذكور من 16-20 وللاناث من 14- 18 ويعزو اسباب انخفاض معدل عمر الفتاة في الريف عنه في المدينة تحديدا لكونها تتحمل المسؤولية في الاسرة والحقل مبكرا وبالتالي تكون مهيأة للزواج اكثر من تلك التي تعيش في المدينة حيث تزداد صعوبة وتعقيدات الحياة في المدن عنه في الارياف وتبرز مسألة اكمال الدراسة الجامعية وقد تكون اكمال الدراسات العليا في بعض الاحيان لدى الكثيرات هي التي لها الاولوية في سلم الاهتمام في حياة الفتاة متقدما في ذلك على فكرة الزواج المبكر وهذا يعني هدر ثلة من سني العمر التي لاتعوض.
* طقوس بسيطة؟
- فيما يعتقد الاستاذ (حسين فاضل) التدريسي في جامعة بغداد:ـ ان العامل الاقتصادي له دور كبير في هذا المجال حيث ان في الريف لا توجد هناك ما تسمى ظاهرة تأخر سن الزواج بل هي مقتصرة على المدينة والسبب حسب اعتقادي طبيعة الحياة التي تختلف كثيرا من تلك التي يعيشها الناس في الارياف حيث البساطة في كل شيء فالزواج كونه من اهم الطقوس الاجتماعية في المجتمع الريفي الذي يمتاز ببساطة الامور سواء كانت المادية او المعنوية من خلال توفير السكن والقناعة بالاشياء البسيطة وكذلك استمرارية وجود ظاهرة العائلة المركبة في الريف التي تضفي نوعا من اليسر والتسهيلات الاجتماعية للمتزوجين الجدد وتذليل الكثير من العقبات التي تقف حائلة امامهم بينما نظراءهم في المدينة نجد ان العائلة النواة تضخمت وبالتالي تصبح عائلة مركبة غالبا ما تكون محصورة بمنزل صغير نسبيا لا يلائم ولا يستوعب تلك العائلة الكبيرة.
- يوافقه الرأي الباحث الاجتماعي (محمد سعيد كاظم) اذ يقول:
ان تأخر سن الزواج له صلة بالجانب الاقتصادي بلاشك فاكثر الشباب الطامح او الراغب في الزواج يعاني من البطالة المنتشرة في العراق وان عدم ايجاد الحلول لها يعني تفاقم الكثير من المشاكل والظواهر الاجتماعية والنفسية الخطيرة على افراد المجتمع واول الغيث هو عزوف الشباب عن الزواج.
* تأثيرات نفسية!!
- استاذ علم النفس التربوي في كلية الاداب بجامعة بغداد يصف لنا التأثيرات النفسية لتأخر سن الزواج على الفرد قائلا:
الحالة الطبيعية السوية ان يكون للانسان البالغ شريك في الحياة لتكوين الاسرة وسط اجواء مفعمة بالطمأنينة والسعادة واي شيء من شأنه الحيلولة دون الوصول لهذا المطلب يعني ظهور مجموعة من الاثار السلبية وفي حقيقة الامر هذا الموضوع فقط ارى انه يحتاج بحد ذاته الى دراسة معمقة، الا اننا من الممكن تضيق هذه الاثار الى ثلاثة اقسام وهي النفسية والاجتماعية والفسلجية فالانسان لديه حاجة طبيعية غريزية يجب ان تشبع والاطار الصحيح لاشباعها في الزواج الرسمي المتعارف عليه في جميع المجتمعات وعلى خلاف ذلك فان اية اعاقة لعملية اشباع هذه الغريزة من الممكن ان يولد الكثير من المضاعفات النفسية والفسلجية والاجتماعية الا ان تلك التأثيرات تكون متفاوتة طبقا لجنس البالغ سواء كان ذكرا او انثى وكلما تقدم العمر ومن هذه المضاعفات ظهور الكثير من العقد النفسية التي قد تؤدي الى الانعزال والشعور بالنقص والكآبة والعصبية واحيانا ظهور اعراض هستيرية التي قد تصل الى الجنون في بعض الحالات اما الاثار الفسلجية فهي تلك التي تؤدي الى الاضطرابات الهرمونية ومنها حالة التأثير على الوظائف الفسلجية لاعضاء الجسم.
* مقترحات وحلول:ـ
- فيما ترى الدكتورة (فوزية كاظم العطية) استاذة علم الاجتماع في جامعة بغداد ان الهدف من الزواج هو بناء اهم مؤسسة اجتماعية في المجتمع الا وهي الاسرة هذه المؤسسة التي تقع على عاتقها انجاب الاطفال وتنشئتهم التنشئة السليمة لتزويد المجتمع بالمواطنين الصالحين، ولذا نجد ان اكثر الدول المتقدمة تسعى دائما الى تشجيع الزواج والتحفيز على الانجاب وذلك عن طريق تقديم الدعم الحقيقي لمشاريع الزواج وبناء الاسرة مثل توفير السكن ببدلات ايجار رمزية كما هو الحال في فرنسا وكذلك العمل على تقديم الدعم المادي والمعنوي للعائلة كتوفير الضمان الاجتماعي والصحي وغير ذلك.
- وتضيف قائلة: في مجتمعنا العراقي يجب علينا اولا التركيز على ضرورة توفير الامن لتشجيع الشباب على الزواج وذلك عن طريق تحمل الدولة لجميع مسؤولياتها تجاه الاسرة العراقية عن طريق ايجاد السكن المناسب والغذاء والتربية والتعليم والرعاية الصحية.لذا فالقضية هنا هي عبارة عن عملية تغيير اجتماعي متكامل لاعادة بناء المجتمع بمؤسساته الاجتماعية ومنها العائلة وكذلك بناء شخصية المواطن نفسه وهذا يتطلب التخطيط الموجه المبني على الدراسات والبحوث العلمية التي يصبح من الممكن عن طريقها تحديد الاحتياجات والاليات التي من الممكن ايجادها عن طريق فتح المراكز العلمية للبحوث والدراسات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية مع مساهمة جميع القطاعات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني