وصف رب العالمين نفسه بأنَّه رءوف رحيم، غفور رحيم، رحمن رحيم، بل أرحم الراحمين،
أوصاف رحمته سبحانه تفيض على القلب طمأنينة والنفس سكينة، فلا يتسرَّب إليها يأس،
بل إنَّ الإنسان إذا علم أنَّ هناك من يرحمه؛
كان إلى العودة والإقبال أقرب منه إلى النفور والإبعاد.
من البشائر العظيمة للخلق أنَّ الله كتب على نفسه الرحمة تفضُّلًا منه وإحسانًا،
وأنَّ رحمته سبقت غضبه، أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-
قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول
إنَّ الله كتب كتابًا قبل أن يخلق الخلق،
إنَّ رحمتي سبقت غضبي، فهو مكتوب عنده فوق العرش)،
فإذا كانت رحمته تغلب غضبه؛ فإنَّه لا يهلك على الله بعد ذلك إلَّا هالك.
ما ترى في الأرض من رحمة الوالد بولده، والأم بطفلها،
وما ترى من توادٍّ وتعاطفٍ وبِرٍّ أثرٌ من رحمة الله، أنزل منها رحمة واحدة،
وادَّخر عنده تسعة وتسعين رحمة، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال:
سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنَّ الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة،
فأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة، وأرسل في خلقهم كلّهم رحمة واحدة)[1]،
فمن قصد مخلوقًا يرجو رحمته؛ فالله أرحم منه، فليقصد العاقل لحاجته من هو أشد له رحمة.
ورحمته سبحانه للجنين في بطن أمه، إذ صوَّره في أحسن صورة، وسخَّر له غذاءه وهواءه وهو في أعماق الرحم حتى أخرجه إلى الدنيا طفلًا مكتملًا وخَلْقًا سويًا.
من رحمته سبحانه أنَّه امتنَّ على العالم برجل يمسح آلامه، ويخفِّف أحزانه، فأرسل محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، ووضع في قلبه من العلم والحلم،
وفي خلُقه من الإيناس والبر ما جعله أزكى عباد الله رحمة، وأوسعهم عاطفة، وأرحبهم صدرًا،
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].
من رحمته سبحانه أنَّه أنزل القرآن بلسان عربي مبين،
قال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82].