كانت النقود ثورة عند اختراعها كبديل لعملية المقايضة، ولم يصدق الناس أنهم بدلاً من أن يحملوا أشولة البطاطس ليقايدوها بأشولة البرتقال، يمكن لهم استخدام بضع قطع صغيرة من المعدن! وبعد أن كانت النقود هي المقابل للخدمات أصبحت هناك العديد من الخدمات المتاحة لخدمة النقود ذاتها! فالبنوك على رأس القائمة، وتليها مكاتب الصرفة والحوالات. وفي زمن التكنولوجيا كان لزامًا على المهتمين بالخدمات المصرفية في الإنترنت إيجاد وسيلة أسهل وأسرع لتداول الأموال بالذات بين الأطراف البعيدة عن بعضها البعض. فبعد أن كان على (أحمد) الذي يسكن في السعودية أن يتوجه للبنك لتحويل المال لأخيه محمد في مصر ثم يذهب الأخير لفرع البنك ليخضع لإجراءات طويلة عريضة ليستلم المال المرسَل إليه، صارت تتم الآن عملية التحويل بينهما وهما في بيتهما!
ولكن.. هل الأمر بهذه السهولة وذلك الأمان حقًا؟!
هل تُعدَّ شبكة الإنترنت وسيلة آمنة لإرسال واستلام المال؟
شبكة الإنترنت الآن تضمّ العالَم كله، ذلك العالَم المتصف بالأمن وانعدامه في الوقت نفسه، فلو فكّرت في أية وسيلة غير الإنترنت؛ لكي ترسل من خلالها أموالاً لجهة بعيدة، فستجد دائمًا لحظة من قلة الحرص تجعل تلك الوسيلة غير آمنة.. فصديقك الذي ستُحمّله المال لوالدتك في الأردن يمكن أن يحدث له مكروه أثناء رحلته من أمريكا للأردن، وموظف البنك يمكن أن يكتب آخر رقم في حسابك 6 بدلاً من 1، فيترتب على ذلك ما لا تُحمد عقباه.
إذن.. لا يمكن أن نحكم على التعاملات المالية عبر الإنترنت أنها خطرة، أو غير خطرة.. فهي - كأي تعامل آخر - بحاجة لأخذ بعض الاحتياطات التي تقلل نسبة الخسائر، أو تعدمها!
ما مميزات وعيوب الدفع عبر الإنترنت؟
يمكن أن نلخص تلك المميزات والعيوب فيما يلي:
أولاً: المميزات:
1) السهولة والراحة: حيث تتم العملية كلها دون الحاجة للذهاب بنفسك إلى البنك، أو مكتب الحوالة.
2) السرعة: فمعظم عمليات الدفع تتم في اللحظة نفسها، أو لا تستغرق أكثر من يومين على الأقصى.
3) قلة التكلفة: إذ توجد هناك شركات كثيرة تقدِّم حلولاً للدفع عبر الإنترنت أقل تكلفة من التحويل البنكي.
ثانيًا: العيوب:
1) حاجتها للوعي بالإنترنت: وهذا هو أهمّ سبب لقلة انتشار تلك الوسائل؛ نظرًا لأنّ معظم سكّان الوطن العربي لا يجيدون استخدام الإنترنت في الأمور الجدية والنفعية، ولا يعرفون معايير الأمان التي يجب أن تتواجد في المواقع التي يستخدمونها في التعاملات المادية. وهذا هو ما يؤدي في الغالب لحالات النصب والسرقة.
2) حاجز اللغة: فأغلب تلك المواقع تعتمد على اللغة الإنجليزية، أو اللغات الأوروبية الأخرى، بما في ذلك خدمة العملاء، مما يزيد العملية صعوبة على مَنْ لديهم ضعف في اللغات الأجنبية.
3) قلة المواقع العربية التي تقبل الدفع بهذه الطريقة: إذ للأسف لا تزال هناك العديد من الجهات الحكومية والخاصة والبنوك في الوطن العربي لم تفعّل بعدُ طريقة الدفع عبر الإنترنت على مواقعها. لكنّ هذا لا يمنع من وجود الكثير من البنوك في الوقت الراهن ـ خاصة البنوك الأجنبية ـ التي تتيح خدمة التعامل مع الحسابات الجارية على الإنترنت، وحاليًا تتجه بعض الشركات لبيع منتجاتها عن طريق الإنترنت.
ما هي أهمّ المواقع التي تتيح خدمة إرسال واستلام الأموال عبر الإنترنت؟
هناك المئات من المواقع التي تقدّم هذه الخدمة، وقد اخترنا لكم ثلاث وسائل تُعدّ الأكثر شيوعًا في الوطن العربي بين هؤلاء الذين يعملون بالإنترنت أو من خلال أصحاب مواقع العمل الحر عن طريق الإنترنت:
1) موقع (Paypal)
يُعدّ هذا الموقع (بايبال) وسيلة الدفع المفضّلة لدى قاطني الولايات المتحدة وكندا، وامتلاك حساب في هذا الموقع شبيه بامتلاكك "محفظة" على الإنترنت؛ حيث تقوم بملء تلك المحفظة بين الحين والآخر بالمقدار الذي تريده، باستخدام بطاقة الائتمان الخاصة بك، ثم تستخدِم ذلك الحساب في الشراء عبر الإنترنت، أو إرسال المال لمنْ تريد.
ميزة هذا الموقع أنّ النسبة التي يأخذها مقابل هذه الخدمة زهيدة جدًا، وهذا سبب رئيسي في شيوعه، مقارنة بالوسائل الأخرى، كما أنّ استخدام حساب هذا الموقع الخاص بك في عمليات الدفع يحمي رقم بطاقتك الائتمانية من الظهور في المواقع المختلفة، أو للأشخاص الذين ترسل لهم المال.
أما ما يعيبه فهو أنّه بالرغم من شيوعه في أغلب دول العالم، إلا أنّ نصيب الدول العربية منه لا يزال قليلاً جدًا، يكفي القول بأنّ مصر ـ وهي أكبر دولة عربية من ناحية السكان ومستخدمي الإنترنت ـ غير مدعومة من قِبَل هذا الموقع! كما أنّ سياسة الموقع توجب على المرسِل والمستلِم أن يمتلكا حسابًا فيه، وبالتالي فلو كان أحد الطرفين في دولة غير مدعومة منه فلن تتمّ العملية.
2) موقع (Money bookers)
يقدِّم هذا الموقع (موني بوكرز) خدمة تشبه إلى حد كبير التحويلات البنكية، ولكن بصورة أقل تكلفة وأكثر سرعة، فباستخدام (الموني بوكرز) يمكنك أن ترسل المال باستخدام بطاقة الائتمان مباشرة إلى الحساب الجاري لشخص آخر في أي مكان في العالم.
ميزة هذا الموقع ـ فيما يخصّ التحويلات البنكية ـ هي أنه يتمّ بشكل أسرع وإجراءات وتكلفة أقلّ، ودون الحاجة لأنْ يتوجَّه المرسِل أو المرسَل إليه للبنك. فقط يتعيّن عليك أن تعرف الكود البنكي الذي يشار إليه (SWIFT code)، أو من البنك الخاص بك وتسجّل للحصول على حساب في هذا الموقع لتستلِم المال في غضون أيام.
أما ما يعيبه ـ ويشترك فيه مع موقع (البايبال) ـ هو أنّه بحاجة لأن يمتلك الطرفان حسابًا في هذا الموقع، لكنّه يتفوق على (البايبال) في دعمه للمزيد من الدول العربية. العيب الآخر هو أنّه يجري بعض الإجراءات المعقّدة في بداية التسجيل؛ لكي يتأكد من هوية صاحب الحساب، تلك الإجراءات بالرغم من أنّها تكون في أول إنشاء الحساب إلا أنها قد تعطل صاحبها فترة لا بأس بها قبل تفعيل حسابه.
أما عن اشتراط وجود حساب بنكي للمستلِم وبطاقة ائتمان للمرسِل فقد يعُدّ البعضُ ذلك عيبًا ويَعدّه الآخرون ميزة.
3) موقع (Payoneer)
يُعدّ موقع (بايونير) واحدًا من أكثر المواقع نموًا في الوقت الحالي، وهو يقدّم خدمة فريدة من نوعها، وهي البنك الافتراضي، أي: أنه حين تفتح حسابًا فيه فكأنّك تفتح حسابًا جاريًا في أي بنك عادي، باستثناء أن مختلَف العمليات المصرفية التي تُجرَى على الإنترنت!
حين تقوم بالتسجيل تُرسَل إليك بالبريد العادي بطاقة ائتمان مدفوعة مقدمًا التي يُطلق عليها اصطلاحًا (Prepaid MasterCard)، تكون تلك البطاقة صالحة للاستخدام في جميع أنحاء العالم على مكنات ذات العلامة التجارية (ATM)، كما أنّها صالحة للدفع عبر الإنترنت، وفي بعض المتاجر العالمية.
ميزة هذا الموقع هي وجود تلك البطاقة التي تعطيه استخدامات إضافية عن (البايبال) و (الموني بوكرز)، فإنْ كانت هناك بعض المواقع لا تقبل الدفع بـ(البايبال) أو (الموني بوكرز)، فإنّ كلها بلا استثناء تقبل الماستركارد؛ باعتباره بطاقة ائتمانية معترَف بها على مستوى العالَم كله.
كما يتيح (البايونير) لمشتركيه خدمة الدفْع بالإيميل، فمثلاً لو كان لديك حساب في (بايونير) ويرغب أحدهم في أن يرسِل لك مالاً فيمكنه أن يدخل على موقع (بايونير)، ويستخدِم بطاقته الائتمانية للدفع بنظام البريد الإلكتروني، ويكتب بريدك في الخانة المخصّصة دون أن يعرف رقم حسابك، أو بطاقتك.
أما ما يعيبه فهو تكلفته المرتفعة نسبيًا عن بعض الوسائل الأخرى، كما أنّ عليك بنفسك أن تحسب النسبة المعقّدة التي يأخذها نظير الخدمة قبل أن تقوم بسحْب المال باستخدام البطاقة، وإلا فإنّ الخطأ سيكلفك دولارًا عن كل عملية خاطئة! لكن يبقى الحلّ الأمثل بالنسبة لمنْ لا حساب لهم في البنك.
ملحوظة: أسعار خدمات تلك المواقع في تغيُّر مستمر؛ لذلك لم نذكرها في المواقع خشية التضارب، فبإمكانكم دائمًا الاطلاع على أحدث الأسعار في قسم "المصروفات والأسعار" في كل موقع على حدة.
بعض النصائح لحماية أموالك وحساباتك من السرقة
* بالنسبة للشراء حاول قدر المستطاع التأكّد من سمعة الموقع الذي تتعامل معه بسؤال بعض الأشخاص ممنْ تعاملوا معه، أو بالبحث عن معلومات عنه باستخدام محركات البحث. فبعض المواقع مثل (بايبال) يقدّم نصائح لمنْ يتعاملون معه - سواء بالبيع، أم الشراء - على الإنترنت في صفحته، كما هو موضّح في شكل (1).
صفحة بايبال لتقديم النصح للحماية من السرقات والنصبشكل 1
* تأكد من أنّه لديك على جهازك برنامج مضاد للفيروسات ومقاوِم للاختراق؛ لتتجنّب البرامج الخفيّة التي تنسخ كلمة السر ورقم الحساب.
* في متصفح الإنترنت الذي تستخدمه، ستجد دائمًا علامة "قفل" صغير في أسفل الشاشة، كما هو موضّح في شكل (2) للدلالة على المواقع الآمنة التي يمكن أن تضع رقم بطاقتك الائتمانية فيها وأنت مطمئن. وإن لم تجد تلك العلامة فلا تضع أية معلومات سرية في هذه الصفحة على الإطلاق!
المربع الأحمر في الزاوية اليمين السفلى يوضح القفل الذي يظهر في المواقع التي تتعامل مع معلومات سرية مثل صفحة الدخول في بايونيرشكل 2
* هناك شهادة تُسمَّى (verisign) تقدّمها شركة متخصصة في تأمين عمليات الدفْع عبر الإنترنت لبعض المواقع التي تطلب من المتصفّحين أن تخضع لاختبارات تلك الشهادة، لو وجدت تلك العلامة في الموقع، وضغطت عليها ستظهر لك شهادة تفيد بأنّ ذلك الموقع آمن للتعاملات المادية، كما هو موضّح في شكل (3).
شهادة الـversign لموقع مونيبوكرز والتي توضح أنه آمن للتعاملات الماديةشكل 3
* لا تدلي بمعلومات حسابك لأي شخص عن طريق البريد الإلكتروني، أو برامج الدردشة أو الفيس بوك، أو غيرها، فقد يكون الطرف الآخر - بالرغم من أمانته - صاحب جهاز ضعيف المناعة تجاه الفيروسات، وبرامج الاختراق، فيتسبّب في سرقة حسابك دون أن تدري، أو يدري!
* حاولْ عبر الإنترنت - قدر المستطاع - استخدام وسائل دفْع لا تُظْهِر رقمَ بطاقتك الائتمانية.
* لا تقمْ بعمليات الدفع عبر جهاز عام أبدًا، إلا في حالات الضرورة القصوى، عندها تأكد من أنّك قد حذفت كل ملفاتك من خلال (temporary internet files) و الـ(cookies) التي يمكن أن تحتفظ بمعلومات عن حسابك، فيستخدمها غيرك فيما يضرُّك، فتندم حين لا ينفع النّدم.
وختاما.. نتمنى لك معاملات مالية آمنة وسهلة على شبكة الإنترنت