وكانت هذه كذبتها الخامسة
وبعدما انتهيت من دراستي وتخرجت من الجامعة حصلت على وظيفة
إلى حد ما جيدة واعتقدت أن هذا هو الوقت المناسب لكي تستريح أمي
وتترك لي مسؤولية الإنفاق على المنزل وكانت في ذلك الوقت لم يعد
لديها من الصحة ما يعينها على أن تطوف بالمنازل فكانت تفرش فرشا
في السوق وتبيع الخضروات كل صباح فلما رفضت أن تترك العمل
خصصت لها جزءا من راتبي فرفضت أن تأخذه قائلة:
يا ولدي احتفظ بمالك إن معي من المال ما يكفيني..
وكانت هذه كذبتها السادسة
وبجانب عملي واصلت دراستي كي أحصل على درجة الماجستير
وبالفعل نجحت وارتفع راتبي ومنحتني الشركة الألمانية التي أعمل بها
الفرصة للعمل بالفرع الرئيسي لها بألمانيا فشعرت بسعادة بالغة
وبدأت أحلم ببداية جديدة وحياة سعيدة وبعدما سافرت وهيأت الظروف
اتصلت بأمي أدعوها لكي تأتي للإقامة معي ولكنها لم تحب أن تضايقني
وقالت : يا ولدي .. أنا لا أحب المعيشة المترفة ...
وكانت هذه كذبتها السابعة
كبرت أمي وأصبحت في سن الشيخوخة وأصابها مرض السرطان اللعين
وكان يجب أن يكون بجانبها من يمرضها ولكن ماذا أفعل فبيني وبين
أمي الحبيبة بلاد تركت كل شيء وذهبت لزيارتها في منزلنا فوجدتها
طريحة الفراش بعد إجراء العملية عندما رأتني حاولت أمي أن تبتسم لي
ولكن قلبي كان يحترق لأنها كانت هزيلة جدا وضعيفة ليست أمي
التي أعرفها انهمرت الدموع من عيني ولكن أمي حاولت أن تواسيني
فقالت: لا تبكي يا ولدي فأنا لا أشعر بالألم...
وكانت هذه كذبتها الثامنة
وبعدما قالت لي ذلك أغلقت عينيها فلم تفتحهما بعدها أبدا....
إلى كل من ينعم بوجود أمه في حياته:
حافظ على هذه النعمة قبل أن تحزن على فقدانها...
وإلى كل من فقد أمه الحبيبة :
تذكر دائما كم تعبت من أجلك وادع الله تعالى لها بالرحمة والمغفرة..