قد يكون حلما فظيعا له قوة حضور الواقع، أو واقعا غريبا كالحلم، هذا ما لم أحسمه، ولعلى لن أحسمه أبدا، لهذا أحاول تحسس حكايتي هذه من جديد لعلى أتبين فيها حدودا فاصلة. خاصة وأن ذلك الانطباع النهائى مازال يؤرقني، ولعله يؤرق كثيرين إذا ما نقلت إليهم ما بلغنى منذ عرفت بنبأ هجوم الذئاب على القرية. لقد هزتنى الدهشة أكثر من أى أحد لا يعرف حجم الأوهام الرائجة بين الناس عن هذه المخلوقات الحكيمة والزاهدة والمتوحدة إلى درجة الشاعرية، والتى يسمونها بريبة: الذئاب. ذلك لأننى أعرف كم هى نائية بتعفف، وأصيلة التماسك داخل قبائلها، أمومية لحد إنكار الذات أمام الصغار، وتأكل من غنائم معارك نظيفة حقيقية، تخطط لها بإحكام، وتفقد فيها الفرائس وعيها مع أول إطباقة للفكوك فلا تتألم.
ثم هي ـ أي الذئاب- لاتقرب الجيف حتى لو اضطرها الجوع إلى أن تعشب، وإن كانت الشائخة منها يمكن أن تهاجم بلا سبب وهذا يجعلنى أكثر استغرابا.
فلا يعقل، لا يعقل، أن يكون هناك قطيع كامل من الذئاب الشائخة ليهاجم على هذا النحو المسعور الذي حكت عنه الأخبار، والذي لم يثبت فيه أن الذئاب جرت ولو طفلا صغيرا لافتراسه، مما يوحي بأن الهجمة كلها كانت نوعا من الالتياث الذي دفع القطيع نحو القرية والدخول في معركة مع سكانها كبارا وصغارا، بالأنياب في مواجهة الأيادي والسكاكين والفؤوس، ولم يدفعها إلى الفرار في النهاية إلا ظهور البنادق وبدء إطلاق الرصاص.
بخلاف ما أشيع - وهو صحيح- من أن استخدام المبيدات قد قضى على الأرانب البرية وغيرها من حيوانات تعتبر غذاء طبيعيا للذئاب .